قال تعالى : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (لأعراف:54)
الدكتور زغلول النجار
في الوقت الذي ساد اعتقاد الناس بثبات الأرض وسكونها, جاء القرآن الكريم بالتأكيد علي جريها وسبحها, وعلي جري كافة أجرام السماء وسبحها في فسحة الكون الرحيب, ولكن لما كانت هذه الحقائق خافية علي الناس في زمن تنزل الوحي فقد جاءت الإشارات القرآنية إليها بصياغة لطيفة, رقيقة, غير مباشرة حتى لا تصدهم عن قبوله فيحرموا نور الرسالة الخاتمة, ويكون ذلك سببا في حرمان البشرية من هديها..!!
من هنا جاءت الإشارات القرآنية إلي عدد من الحقائق الكونية التي كانت غائبة عن علم الناس في زمن الوحي ـ ومنها حركات الأرض ـ بصياغة مجملة, غير مباشرة, ولكنها في نفس الوقت صياغة بالغة الدقة في التعبير, والشمول في الدلالة, و الاحاطة بالحقيقة الكونية, لتبقي مهيمنة علي المعرفة الإنسانية مهما اتسعت دوائرها, وشاهدة للقرآن الكريم بأنه كلام ا لله الخالق, وللنبي الخاتم الذي تلقي الوحي به( صلي الله عليه وسلم ) بأنه كان معلما من قبل خالق السماوات والأرض, ومؤكدة علي وصفه( صلي الله عليه وسلم ) للقرآن الكريم بأنه لا تنتهي عجائبه, ولا يخلق علي كثرة الرد.
الإشارات القرآنية إلى حركات الأرض
استعاض القرآن الكريم في الإشارة إلي حركات الأرض بغشيان( أو بتغشية ) كل من الليل والنهار للآخر, واختلافهما, وتقلبهما, وولوج كل منهما في الآخر, وبسلخ النهار من الليل, وبمرور الجبال مر السحاب, وبالتعبير القرآني المعجز عن سبح كل من الليل والنهار كناية عن الحركات الانتقالية للأرض, وذلك علي النحو التالي :
أولا : آيات غشيان الليل النهار
وجاء ذكرها في آيتي الأعراف رقم( 54 ) , والرعد رقم( 3 ) كما سوف يفصل بعد ذلك بقليل.
ثانيا : آيات اختلاف كل من الليل والنهار
تباطؤ سرعة دوران الأرض حول محورها مع الزمن مدون فى أجساد النباتات وغيرها من الكائنات الحية والبائدة
وهي خمس آيات كريمة تؤكد كروية الأرض ودورانها حول محورها أمام الشمس يقول فيها الحق تبارك وتعالي :
( 1 ) إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار........ لآيات لقوم يعقلون
( البقرة : 164 )
( 2 ) إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ( آل عمران : 190 )
( 3 ) إن في اختلاف الليل والنهار وماخلق الله في السماوات والأرض لآيات لقوم يتقون ( يونس : 6 )
( 4 ) وهو الذي يحيي ويميت وله اختلاف الليل والنهار أفلا تعقلون ( المؤمنون : 80 )
( 5 ) إن في السماوات والأرض لآيات للمؤمنين* وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون* واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون
( الجاثية : 2 ـ5 )
ويؤكد القرآن الكريم اختلاف الليل والنهار بتعبير آخر يقول فيه ربنا ( تبارك وتعالي ) :
( 6 ) وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو اراد شكورا
( الفرقان : 62 )
وبتعبير ثالث يقول فيه ( سبحانه وتعالي ) :
( 7 ) والليل إذ أدبر* والصبح إذا أسفر* ( المدثر : 34,33 )
وبتعبير رابع يقول فيه ربنا ( تبارك وتعالي ) :
( 8 ) والليل إذا عسعس* والصبح إذا تنفس ( التكوير : 18,17 ) .
ثالثا : آية تقليب الليل والنهار
وقد جاءت في سورة النور حيث يقول الخالق( سبحانه وتعالي ) : يقلب الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار ( النور : 44 )
وفيها إشارة واضحة إلى دوران الأرض حول محورها أمام الشمس.
رابعا : آيات إيلاج الليل في النهار وإيلاج النهار في الليل
وهي خمس آيات يقول فيها ربنا( تبارك وتعالي ) :
( 1 ) تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل. ( آل عمران : 27 )
( 2 ) ذلك بأن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وأن الله سميع بصير
( الحج : 61 )
( 3 ) ألم تر أن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل.... ( لقمان : 29 )
( 4 ) يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل... ( فاطر13 )
( 5 ) يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وهو عليم بذات الصدور
( الحديد : 6 )
والولوج لغة هو الدخول, ولما كان من غير المعقول دخول زمن في زمن آخر, اتضح لنا ان المقصود بكل من الليل والنهار هنا هو المكان الذي يتغشيانه أي الأرض, بمعني ان الله( تعالي ) يدخل نصف الأرض الذي يخيم عليه ظلام الليل بالتدريج في مكان النصف الذي يعمه النهار, كما يدخل نصف الأرض الذي يعمه النهار بالتدريج في مكان النصف الذي تخيم عليه ظلمة الليل, وهو ما يشير إلى كل من كروية الأرض ودورانها حول محورها أمام الشمس بطريقة غير مباشرة, ولكنها تبلغ من الدقة والشمول والاحاطة مايعجز البيان عن وصفه.
خامسا : آية سلخ النهار من الليل
ويقول فيها ربنا( تبارك وتعالي ) : وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فاذا هم مظلمون ( يس : 37 )
ومعني ذلك ان الله( تعالي ) ينزع نور النهار من أماكن الأرض التي يتغشاها الليل بالتدريج كما ينزع جلد الذبيحة عن كامل بدنها بالتدريج, ولا يكون ذلك إلا بدوران الأرض حول محورها امام الشمس, وفي هذا النص القرآني سبق بالإشارة إلى رقة طبقة النهار في نصف الكرة الأرضية المواجه للشمس, وهي حقيقة لم يدركها الانسان إلا بعد ريادة الفضاء في النصف الثاني من القرن العشرين حيث ثبت إن سمك طبقة النهار حول الأرض لايتعدي المائتي كيلو متر فوق سطح البحر, واذا نسب ذلك إلى المسافة التي تفصل بيننا وبين الشمس( والمقدرة بحوالي المائة والخمسين مليونا من الكيلو مترات ) فإنها لا تتجاوز الواحد الي سبعمائة وخمسين ألفا تقريبا, واذا نسب الي نصف قطر الجزء المدرك من الكون( والمقدر بأكثر من عشرة آلاف مليون من السنين الضوئية*9.5 مليون مليون كيلو متر ) اتضحت ضآلته, واتضحت كذلك لمحة الاعجاز القرآني في تشبيه انحسار طبقة النهار الرقيقة عن ظلمة الليل بسلخ جلد الذبيحة الرقيق عن كامل بدنها, وفي التأكيد علي ان الظلام هو الأصل في الكون, وان نور النهار ظاهرة رقيقة عارضة لاتظهر إلا في الطبقات الدنيا من الغلاف الغازي للأرض في نصفها المواجه للشمس.
سادسا : آيتا سبح كل من الليل والنهار كناية عن سبح الأرض في مداراتها المختلفة
ويقول فيهما ربنا( تبارك وتعالي : )
( 1 ) وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون ( الأنبياء : 33 )
( 2 ) لا الشمس ينبغي لها ان تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون
( يس : 40 )
سابعا : آية مرور الجبال مر السحاب
وفيها يقول الخالق( سبحانه وتعالي ) :
وتري الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي اتقن كل شئ إنه خبير بما تعملون( النمل : 88 )
ومرور الجبال مر السحاب هو كناية عن دوران الأرض حول محورها, وعن جريها وسبحها في مداراتها, وذلك لأن الغلاف الغازي للأرض الذي يتحرك فيه السحاب مرتبط بالأرض برباط الجاذبية, وحركته منضبطة مع حركة كل من الأرض, والسحاب المسخر فيه.
غشيان( تغشية ) الليل النهار :
جاء ذكر هذه الحقيقة الكونية في آيتين كريمتين من آيات القرآن العظيم يقول فيهما ربنا( تبارك وتعالي ) :
( 1 ) إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوي علي العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين* ) ( الأعراف : 54 )
( 2 ) وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهارا ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشي الليل النهار إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون( الرعد3 )
كذلك جاء ذكر تجلية النهار للشمس, وتغشيتها بالليل في قول الحق( تبارك وتعالي ) : والشمس وضحاها* والقمر إذا تلاها* والنهار إذا جلاها* والليل إذا يغشاها( الشمس : 1 ـ4 )
وجاء ذكر تغشية الليل وتجلية النهار دون تفصيل في قول ربنا( تبارك وتعالي ) :
والليل إذا يغشي* والنهار إذا تجلي( الليل : 2,1 )
والفعل( يغشي ) مستمد من ( الغشاء ) وهو الغطاء, يقال غشي بمعني غطي وستر, ويقال( غشاه ) و ( تغشاه ) ( تغشية ) أي غطاه تغطية, و ( أغشاه ) إياه غيره, و( الغشوة ) بفتح الغين وضمها وكسرها و ( الغشاوة ) مايتغطي أو يغطي به الشيء, ويقال( غشية ) ( غشيانا ) و ( غشاوة ) و( غشاء ) أي جاءه مجيء ما قد غطاه وستره, و( استغشي ) بثوبه و ( تغشي ) به أي تغطي به, و( الغاشية ) كل ما يغطي الشيء كغاشية السرج, و( الغاشية ) تستخدم كناية عن القيامة التي ( تغشي ) الخلق بأهوالها وجمعها( غواش ) , و ( غاشية تغشاهم ) أي أمر يعمهم سواء كان شرا أم خيرا من مثل نائبة تجللهم أو فرح يعمهم.
من ذلك يتضح أن من معاني يغشي الليل النهار أن الله( تعالي ) يغطي بظلمة الليل مكان نور النهار علي الأرض بالتدريج فيصير ليلا, ويغطي بنور النهار مكان ظلمة الليل علي الأرض بالتدريج فيصير نهارا, وهي إشارة لطيفة إلي كل من كروية الأرض ودورانها حول محورها أمام الشمس دورة كاملة في كل يوم مدته24 ساعة, يتقاسمها ـ بتفاوت قليل ـ الليل والنهار, في تعاقب تدريجي ينطق بطلاقة القدرة الإلهية المبدعة, فلو لم تكن الأرض كروية الشكل مااستطاعت الدوران حول محورها, ولو لم تدر حول محورها أمام الشمس ماتبادل الليل والنهار.
والقرآن الكريم يستخدم تعبير الليل والنهار في مواضع كثيرة استخداما مجازيا للإشارة إلي كوكب الأرض, كما يشير بهما إلي كل من الظلمة والنور ـ علي التوالي ـ وإلي العديد من المظاهر المصاحبة لهما من مثل قوله( تعالي ) :
والشمس وضحاها* والقمر إذا تلاها* والنهار إذا جلاها* والليل إذا يغشاها
( الشمس : 1 ـ4 )
وفي هذه الآيات الكريمة يقسم ربنا تبارك وتعالي( وهو الغني عن القسم ) بالنهار الذي يجلي الشمس أي يظهرها واضحة جلية لسكان الأرض, وهي حقيقة لم يدركها العلماء إلا من بعد ريادة الفضاء في النصف الأخير من القرن العشرين, حين اكتشفوا أن نور النهار المبهج لا يتعدي سمكه مائتي كيلو متر فوق مستوي سطح البحر في نصف الكرة الأرضية المواجه للشمس, وأن هذا الحزام الرقيق من الغلاف الغازي للأرض يصفو من الملوثات وتقل كثافته بالارتفاع علي سطح الأرض, بينما تزداد كثافته ونسب كل من بخار الماء وهباءات الغبار فيه كلما اقترب من سطح الأرض, ويقوم ذلك التركيز وتلك الهباءات من الغبار بالمساعدة علي تشتيت ضوء الشمس, وتكرار انعكاسه مرات عديدة حتى يظهر لنا باللون الأبيض المبهج الذي يميز النهار كظاهرة نورانية مقصورة علي النطاق الأسفل من الغلاف الغازي للأرض في نصفها المواجه للشمس, بينما يعم الظلام الكون المدرك في غالبية أجزائه, وتبدو الشمس بعد تجاوز نطاق نور النهار قرصا أزرق في صفحة سوداء, ومن هنا فهمنا المعني المقصود من أن النهار يجلي الشمس, بينما ظل كل الناس إلي أواخر القرن العشرين وهم ينادون بأن الشمس هي التي تجلي النهار, فسبحان الذي أنزل تلك الحقيقة الكونية من قبل ألف وأربعمائة سنه, والتي لم يكتشفها العلم التجريبي إلا في النصف الأخير من القرن العشرين...!!!
كذلك يقسم ربنا( تبارك وتعالي ) في سورة الليل ـ وهو( تعالي ) غني عن القسم ـ بقوله عز من قائل : والليل إذا يغشي والنهارإذا تجلي( الليل : 2,1 ) وهو قسم بالليل ( أي ليل الأرض ) الذي يغشي أي يغطي نصف الكرة الأرضية البعيد عن الشمس بالظلام لعدم مواجهته للشمس, وقسم بالنهار( أي نهار الأرض ) الذي تشرق فيه الشمس علي نصف الكرة الأرضية المواجه لها فيعمه نور النهار, وبتعاقبهما تستقيم الحياة علي الأرض, ويتمكن الإنسان من إدراك مرور الزمن والتاريخ للأحداث.
وحينما يغشي الليل بظلمته نصف الأرض, البعيد عن الشمس تتصل ظلمة الأرض بظلمة السماء فيعم الظلام, وفي نفس الوقت يتجلي النهار في نصف الأرض المواجه للشمس بنوره المبهج فاصلا الأرض عن ظلمة الكون بحزام رقيق من النور الأبيض لا يكاد يتعدي سمكه المائتي كيلو متر.
ويمن علينا ربنا( تبارك وتعالي ) بتبادل كل من الليل والنهار فيقول( سبحانه ) : قل أرءيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلي يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون* قل أرءيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلي يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون* ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون( القصص : 71 ـ73 )
ويقول( عز من قائل ) :
وجعلنا الليل لباسا, وجعلنا النهار معاشا ( النبأ : 11,10 )
يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا
يتساءل قاريء القرآن الكريم عن الوصف حثيثا الذي جاء في الآية( رقم54 ) من سورة الأعراف ولم يذكر في بقية آيات تغشية الليل النهار, أو التغشية بغير تحديد, وللإجابة علي ذلك أقول إن آية سورة الأعراف مرتبطة بالمراحل الأولي من خلق السماوات والأرض, بينما بقية الآيات تصف الظاهرة بصفة عامة.
واللفظة( حثيثا ) تعني مسرعا حريصا, يقال ( حثه ) من باب رده و( استحثه ) علي الشيء أي حضه عليه( فاحتث ) , و ( حثثه تحثيثا وحثحثة ) بمعني حضه, و( تحاثوا ) بمعني تحاضوا.
والدلالة الواضحة للآية الكريمة( رقم54 ) من سورة الأعراف أن حركة تتابع الليل والنهار( أي حركة دوران الأرض حول محورها أمام الشمس ) كانت في بدء الخلق سريعة متعاقبة بمعدلات أعلي من سرعتها الحالية وإلا ما غشي الليل النهار يطلبه حثيثا, وقد ثبت ذلك أخيرا عن طريق دراسة مراحل النمو المتتالية في هياكل الحيوانات وفي جذوع الأشجار المعمرة والمتأحفرة, وقد انضوت دراسة تلك الظاهرة في جذوع الأشجار تحت فرع جديد من العلوم التطبيقية يعرف باسم علم تحديد الأزمنة بواسطة الأشجار أو
( Dendrochronology) وقد بدأ هذا العلم بدراسة الحلقات السنوية التي تظهر في جذوع الأشجار عند عمل قطاعات مستعرضة فيها وهي تمثل مراحل النمو المتتالية في حياة النبات( من مركز الساق حتى طبقة الغطاء الخارجي المعروفة باسم اللحاء ) , وذلك من أجل التعرف علي الظروف المناخية والبيئية التي عاشت في ظلها تلك الأشجار حيث أن الحلقات السنوية في جذوع الأشجار تنتج بواسطة التنوع في الخلايا التي يبنيها النبات في فصول السنة المتتابعة( الربيع, والصيف, والخريف, والشتاء ) فترق رقة شديدة في فترات الجفاف, وتزداد سمكا في الآونة المطيرة.
وقد تمكن الدارسون لتلك الحلقات السنوية من متابعة التغيرات المناخية المسجلة في جذوع عدد من الأشجار الحية المعمرة مثل أشجار الصنوبر ذات المخاريط الشوكية المعروفة باسم
( Pinusaristata) إلي أكثر من ثمانية آلاف سنة مضت, ثم انتقلوا إلي دراسة الأحافير عبر العصور الأرضية المتعاقبة, وطوروا تقنياتهم من أجل ذلك فتبين لهم أن الحلقات السنوية في جذوع الأشجار( AnnualRings) وخطوط النمو في هياكل الحيوانات ( LinesofGrowth) يمكن تصنيفها إلي السنوات المتتالية, بفصولها الأربعة, وشهورها الاثني عشر, وأسابيعها الستة والخمسين, وأيامها, ونهار كل يوم وليلة وأن عدد الأيام في السنة يتزايد باستمرار مع تقادم عمر العينة المدروسة, ومعني ذلك أن سرعة دوران الأرض حول محورها أمام الشمس كانت في القديم أسرع منها اليوم, وهنا تتضح روعة التعبير القرآني يطلبه حثيثا عند بدء الخلق كما جاء في الآية رقم( 54 ) من سورة الأعراف.
تزايد عدد أيام السنة بتقادم عمر الأرض وعلاقتها بالسرعة الفائقة لدوران الأرض حول محورها عند بدء الخلق في أثناء دراسة الظروف المناخية والبيئية القديمة كما هي مدونة في كل من جذوع النباتات وهياكل الحيوانات القديمة أتضح للدارسين أنه كلما تقادم الزمن بتلك الحلقات السنوية وخطوط النمو زاد عدد الأيام في السنة, وزيادة عدد الأيام في السنة هو تعبير دقيق عن زيادة سرعة دوران الأرض حول محورها أمام الشمس.
وبتطبيق هذه الملاحظة المدونة في الأحافير( البقايا الصلبة للكائنات البائدة ) بدقة بالغة أتضح أن عدد أيام السنة في العصر الكمبري CambrianPeriod) )
أي منذ حوالي ستمائة مليون سنة مضت ـ كان425 يوما, وفي منتصف العصر الأوردوفيشي ( OrdovicianPeriod) أي منذ حوالي450 مليون سنة مضت ـ كان415 يوما, وبنهاية العصر التراياسي ( TriassicPeriod) أي منذ حوالي مائتي مليون سنة مضت ـ كان385 يوما, وهكذا ظل هذا التناقص في عدد أيام السنة( والذي يعكس التناقص التدريجي في سرعة دوران الأرض حول محورها ) حتى وصل عدد أيام السنة في زماننا الراهن إلي365,25 يوم تقريبا( 365 يوما,5 ساعات,49 دقيقة,12 ثانية ) . وباستكمال هذه الدراسة اتضح أن الأرض تفقد من سرعة دورانها حول محورها أمام الشمس واحدا من الألف من الثانية في كل قرن من الزمان بسبب كل من عمليتي المد والجزر وفعل الرياح المعاكسة لاتجاه دوران الأرض حول محورها, وكلاهما يعمل عمل الكابح( الفرامل ) التي تبطيء من سرعة دوران الأرض حول محورها. وبمد هذه الدراسة إلي لحظة تيبس القشرة الخارجية للأرض( أي قريبا من بداية خلقها علي هيئتها الكوكبية ) منذ حوالي4,600 مليون سنة مضت وصل عدد الأيام بالسنة إلي2200 يوم تقريبا, ووصل طول الليل والنهار معا إلي حوالي الأربع ساعات, ومعني هذا الكلام أن سرعة دوران الأرض حول محورها أمام الشمس كانت ستة أضعاف سرعتها الحالية..!! فسبحان الله الذي أنزل في محكم كتابه من قبل ألف وأربعمائة سنة قوله الحق :
إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوي علي العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا...( الأعراف : 54 )
وسبحان الله الذي أبقي لنا في هياكل الكائنات الحية والبائدة ما يؤكد تلك الحقيقة الكونية, حتى تبقي هذه الإشارة القرآنية الموجزة يطلبه حثيثا مما يشهد بالإعجاز العلمي للقرآن الكريم, وبأنه كلام الله الخالق, وبأن خاتم الأنبياء والمرسلين الذي تلقاه عن طريق الوحي كان موصولا برب السماوات والأرض, وأنه( صلي الله عليه وسلم ) ما كان ينطق عن الهوى...!!
ارتباك دوران الأرض قبل طلوع الشمس من مغربها
بمعرفة كل من سرعة دوران الأرض حول محورها أمام الشمس في أيامنا الراهنة, ومعدل تباطؤ سرعة هذا الدوران مع الزمن, توصل العلماء إلي الاستنتاج الصحيح أن أرضنا سوف يأتي عليها وقت تجبر فيه علي تغيير اتجاه دورانها بعد فترة من الاضطراب, فمنذ اللحظة الأولي لخلقها إلي اليوم وإلي أن يشاء الله تدور أرضنا من الغرب إلي الشرق, فتبدو الشمس طالعة من الشرق, وغاربة في الغرب, فإذا انعكس اتجاه دوران الأرض طلعت الشمس من مغربها وهو من العلامات الكبري للساعة ومن نبوءات المصطفي( صلي الله عليه وسلم )
فعن حذيفة بن أسيد الغفاري( رضي الله عنه ) أنه قال :
اطلع النبي( صلي الله عليه وسلم ) علينا ونحن نتذاكر, فقال : ما تذاكرون؟, قلنا : نذكر الساعة,
فقال : إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات
فذكر : الدخان, الدجال, والدابة, وطلوع الشمس من مغربها, ونزول عيسي بن مريم, ويأجوج ومأجوج, وثلاثة خسوف : خسف بالمشرق, وخسف بالمغرب, وخسف بجزيرة العرب, وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم
وعن عبدالله بن عمرو( رضي الله عنه ) قال : سمعت رسول الله( صلي الله عليه وسلم ) يقول : إن أول الآيات خروجا طلوع الشمس من مغربها, وخروج الدابة علي الناس ضحي, وأيهما ما كانت قبل صاحبتها, فالأخرى علي إثرها قريبا.
وفي حديث الدجال الذي رواه النواس بن سمعان( رضي الله عنه ) قال : ذكر رسول الله ( صلي الله عليه وسلم ) الدجال.. قلنا يا رسول الله : وما لبثه في الأرض؟ قال( صلي الله عليه وسلم ) : أربعون يوما, يوم كسنة, ويوم كشهر, ويوم كجمعة, وسائر أيامه كأيامكم, قلنا يارسول الله فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال( صلي الله عليه وسلم ) : لا, أقدروا له...
ومن الأمور العجيبة أن يأتي العلم التجريبي في أواخر القرن العشرين ليؤكد أنه قبل تغيير اتجاه دوران الأرض حول محورها أمام الشمس ستحدث فترة اضطراب نتيجة لتباطؤ سرعة دوران الأرض حول محورها, وفي فترة الاضطراب تلك ستطول الأيام بشكل كبير ثم تقصر وتنتظم بعد ذلك.
ويعجب الإنسان لهذا التوافق الشديد بين نبوءة المصطفي( صلي الله عليه وسلم ) وما أثبته العلم التجريبي في أواخر القرن العشرين, والسؤال الذي يفرض نفسه : من الذي علم ذلك لهذا النبي الأمي( صلي الله عليه وسلم ) ؟ ولماذا أشار القرآن الكريم إلي مثل هذه القضايا الغيبية التي لم تكن معروفة في زمن الوحي؟ ولا لقرون من بعده؟ لولا أن الله( تعالي ) يعلم بعلمه المحيط أن الإنسان سيصل في يوم من الأيام إلي اكتشاف تلك الحقائق الكونية فتكون هذه الإشارات المضيئة في كتاب الله وفي أحاديث خاتم أنبيائه ورسله( صلي الله عليه وسلم ) شهادة له بالنبوة وبالرسالة, في زمن التقدم العلمي والتقني الذي نعيشه.
خطأ شائع يجب تصحيحه
يظن بعض الناس أننا إذا أدركنا في صخور الأرض أو في صفحة السماء عددا من معدلات التغيير الآنية في النظام الكوني الذي نعيش فيه فإنه قد يكون من الممكن أن نحسب متي ينتهي هذا النظام, وبمعني آخر متي تكون الساعة...!!
وهذا وهم لا أساس له من الصحة لأن الآخرة لها من السنن والقوانين مايغاير سنن الدنيا, وأنها تأتي فجأة بقرار إلهي كن فيكون, دون انتظار لرتابة السنن الكونية الراهنة التي تركها لنا ربنا( تبارك وتعالي ) رحمة منه بنا, إثباتا لإمكان حدوث الآخرة, وقرينة علمية علي حتمية وقوعها والتي جادل فيها أهل الكفر والإلحاد عبر التاريخ, والذين كانت حجتهم الواهية الإدعاء الباطل بأزلية العالم, وهو ادعاء أثبتت العلوم الكونية في عطاءاتها الكلية بطلانه بطلانا كاملا...!!!
فعلي سبيل المثال ـ لا الحصر ـ تفقد شمسنا من كتلتها في كل ثانية علي هيئة طاقة مايساوي4,6 مليون طن من المادة( أي نحو أربعة بلايين طن في اليوم ) , ونحن نعرف كتلة الشمس في وقتنا الحاضر فهل يمكن لعاقل أن يتصور إمكان استمرار الشمس حتى آخر جرام من مادتها؟ وحينئذ يمكن بقسمة كتلة الشمس علي ما تفقده في اليوم أن ندرك كم بقي من عمرها؟
هذا كلام يرفضه العقل السليم, لأن الساعة قرار إلهي غير مرتبط بفناء مادة الشمس, وإن أبقي لنا ربنا( تبارك وتعالي ) هذه الظاهرة من الإفناء التدريجي للشمس, ولغيرها من نجوم السماء دليلا ماديا ملموسا علي حتمية الآخرة, أما متي تكون؟ فهذا غيب مطلق في علم الله, لا يعلمه إلا هو( سبحانه وتعالي ) .
وبالمثل فإن الحرارة تنتقل في كوننا المدرك من الأجسام الحارة إلي الأجسام الباردة, ويفترض قانون انتقال الحرارة استمرارتلك العملية حتى تتساوي درجة حرارة كل أجرام الكون وينتهي كل شئ, فهل يمكن لعاقل أن يتصوراستمرار الوجود حتى تتساوي درجة حرارة كل الأجرام في الكون, أم أن هذا قرار إلهي : كن فيكون غير مرتبط بانتقال الحرارة من الأجسام الحارة إلي الأجسام الباردة, وإن أبقاها الله( تعالي ) قرينة مادية ملموسة علي حتمية الآخرة؟ وعلي أن الكون الذي نحيا فيه ليس أزليا ولا أبديا, فقد كانت له بداية, ولابد أن ستكون له في يوم من الأيام نهاية؟ وهذا ما أثبتته جميع الدراسات العلمية في عصر تفجر المعرفة الذي نعيشه, وأن تلك النهاية لن تتم برتابة الأحداث الدنيوية في الجزء المدرك من الكون, بل هي قرار إلهي فجائي لا يعلم وقته إلا الله سبحانه وتعالى ولذلك أنزل لنا في محكم كتابه قوله الحق مخاطبا خاتم أنبيائه ورسله( صلي الله عليه وسلم ) :
يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلاهو ثقلت في السموات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) الأعراف : 187 )
كما أنزل( سبحانه وتعالي ) كذلك في المعني نفسه :
يسألونك عن الساعة أيان مرساها* فيم أنت من ذكراها* إلي ربك منتهاها* إنما أنت منذر من يخشاها* كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها( النازعات : 42 ـ46 )
وعلي ذلك جاء رد المصطفي( صلي الله عليه وسلم ) علي جبريل( عليه السلام ) حين سأله في جمع من الصحابة : فأخبرني عن الساعة؟ بقوله الشريف : ما المسئول عنها بأعلم من السائل.
فسبحان الله الذي أنزل القرآن الكريم بالحق, أنزله بعلمه, وجعله معجزة خاتم أنبيائه ورسله( صلي الله عليه وسلم ) إلي قيام الساعة, وجعله مهيمنا علي المعرفة الإنسانية مهما اتسعت دوائرها في كل أمر ذكر فيه, وجعل كل آية من آياته, وكل كلمة من كلماته, وكل حرف من حروفه, وكل إشارة, ودلالة, ووصف فيه مما يشهد بأنه كلام الله الخالق, ويشهد للنبي الخاتم( صلي الله عليه وسلم ) بالنبوة والرسالة الخاتمة.